سياسة

واشنطن ترفع حدّة الضغوط… ولبنان أمام خيارات صعبة؟

المصدر: صحيفة "الديار"

اذا كان «المكتوب يقرأ من عنوانه»، فاعلان رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو بان «اسرائيل» عازمة على فرض وقف إطلاق النار في لبنان وغزة «بيد من حديد»، يفسر التصعيد الميداني المتدرج، ويفسر ايضا عدم اكتراث حكومة اليمين المتطرف للدعوات اللبنانية الرسمية للتفاوض.

واذا اردنا ان نعرف اسباب اللهجة الحازمة للوفد الاميركي المالي في بيروت، والتهديد باجراءات صارمة، اذا لم تثبت الدولة اللبنانية جديتها في محاصرة حزب الله ماليا، وفي مسألة «نزع السلاح»، فيجب النظر الى ما يجري في واشنطن، حيث فتحت ابواب «البيت الابيض» للرئيس السوري المؤقت احمد الشرع، وعلقت مفاعيل قانون «قيصر»، مقابل اجراءات سورية ميدانية تجاه النفوذ الايراني، وانتقال كامل الى «حضن» المعسكر الاميركي- «الاسرائيلي»، حيث يرتقب توقيع اتفاقية امنية مجحفة بحق سوريا.

وهو ما تحاول كل من واشنطن و»تل ابيب» فرضه على لبنان، الذي يترقب زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الى الولايات المتحدة، دون آمال كبيرة باحتمال وجود الملف اللبناني على «الطاولة»، في ظل اعادة رسم خريطة المنطقة التي بدأت فعليا في غزة، عبر تفعيل خطة تهجير نحو مليون فلسطيني، لاعادة احياء مشروع تقسيم القطاع وتسويقه كمنتجع سياحي، توجد مقابل شواطئه حقول غاز كبيرة، هي جزء من مشروع مناهض «لطريق الحرير» الصيني ، الذي تشارك فيه قبرص التي حصلت على تنازلات لبنانية مجانية في الحدود البحرية، التي تشكل العنوان الرئيسي لكل الحروب الدائرة في المنطقة.

لبنان بين «المطرقة والسندان»

هذه التطورات تضع لبنان بين «سندان» الضغوط الاميركية المالية، و»مطرقة» التصعيد العسكري الاسرائيلي، الذي تواصل بالامس غارات واغتيالات، وبات من الواضح ان ثمة خطة منسقة «لهزيمة» حزب الله، واستدراج للبنان لتفاوض مباشر تحت «النار»، لتوقيع اتفاق امني على غرار ما يحصل مع سوريا، وتبقى الدولة اللبنانية دون استراتيجية واضحة للتعامل مع التطورات المتلاحقة؟

لا «للنوايا الحسنة»!

وتصطدم «النوايا الحسنة» اللبنانية، بتعنت العدو الاسرائيلي، الذي لا يجد اي ضرورة للجلوس على «طاولة» التفاوض، وهو يستثمر بتنصل الدول الضامنة لاتفاق وقف النار، باريس وواشنطن، من التزاماتها في ضمان تنفيذه. ففيما تبدو فرنسا عاجزة، وباتت «ِشاهدة زور»، تمنح الولايات المتحدة «اسرائيل» التغطية الكاملة لمواصلة ضغطها العسكري، ولا تكتفي بذلك بل تواكبها بممارسة ضغوط مالية وسياسية على لبنان، لاجباره على الاستسلام «للشروط الاسرائيلية»، ومن غير المعلوم بعد، اذا كانت المهلة الممنوحة للحكومة اللبنانية لتنفيذ التزاماتها قبل نهاية العام مهلة نهائية، قبل منح جيش العدو «الضوء الاخضر» لاطلاق عملية عسكرية واسعة ضد لبنان، يجري التمهيد لها «بحملة اعلامية اسرائيلية»، تواكبها حملة مماثلة من «خصوم» حزب الله في الداخل.

ترقب التغييرات الاميركية

ويترقب المسؤولون اللبنانيون ايضا، وصول السفيرالاميركي الجديد ميشال عيسى الى بيروت نهاية الاسبوع، ويأملون بمقاربة اميركية مختلفة مع نهاية مهمة الموفد الاميركي توم براك في لبنان، الذي سيبقى سفيرا في تركيا ومسؤولا عن ملف سوريا.

اما نائبة المبعوث الاميركي الى الشرق الاوسط مورغان ارتاغوس، فمرجح ان تبقى ممثلة بلادها في لجنة «الميكانيزم»، الى جانب الفريق الاميركي بقيادة الجنرال جوزف كليرفيلد ، وهي مرشحة ان تلعب لاحقاً دورا في اي مفاوضات مفترضة مع كيان العدو.

«رسالة» اميركية حازمة

وفي هذا السياق، وجّه وفد وزارة الخزانة الأميركية ومجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، رسالة «حازمة وواضحة» إلى المسؤولين اللبنانيين، طالبهم فيها بالعمل بشكل فعّال من أجل مكافحة تبييض الأموال.

ووفق مصدر مطلع فان الوفد الأميركي طالب السلطات بأفعال حقيقية قبل نهاية العام، وطلب من السلطات اللبنانية أن تكافح تبييض الأموال والاقتصاد القائم على النقد، وإغلاق مؤسسة القرض الحسن.

وعلمت «الديار» ان الوفد يعتبر مهلة الشهرين ليست لانهاء ملفي السلاح وتجفيف الموارد المالية لحزب الله، بل القيام باجراءات عملانية تثبت جدية السلطات اللبنانية في هذا المسار. كما طالب الوفد بالمزيد من التشدد في الاجراءات الامنية في المطار والمرفأ، طالبا انهاء وجود حزب الله هناك، واحراز تقدم ملموس في المفاوضات لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد.

وكان رئيس الوفد صريحا حين ابلغ المسؤولين اللبنانيين بان عليهم الاستفادة من اهتمام الرئيس ترامب بالملف اللبناني، لان الفرصة لن تبقى مفتوحة..اما مسألة العقوبات، فلم يتحدث الوفد عن عقوبات جديدة بحق المسؤولين اللبنانيين..

الجيش يرفض ضغوط اسرائيلية

وفي سياق متصل، نقلت وكلة «رويترز» عن مسؤولين لبنانيين و»إسرائيليين»، أنّ «إسرائيل تضغط على الجيش اللبناني ليكون أكثر حزماً في تنفيذ خطة نزع سلاح حزب الله». وأضاف المسؤولون: «إسرائيل تضغط على الجيش اللبناني لتفتيش منازل في جنوب لبنان بحثًا عن الأسلحة»، لافتين إلى أنّ «الطلب الإسرائيلي قوبل بالرفض من قيادة الجيش اللبناني، تفادياً لإشعال نزاع داخلي وتقويض الاستراتيجية الدفاعية».

كما نقلت «رويترز» عنهم قولهم إنّ «خطة الجيش لا تشمل تفتيش الممتلكات الخاصة، و»إسرائيل» طالبت بتنفيذ مداهمات للمنازل خلال اجتماعات آلية الميكانيزم في تشرين الأول الماضي». ونُقل عن مسؤول «إسرائيلي» قوله «إذا نزع الجيش اللبناني سلاح حزب الله فسننسحب تدريجيا».

الوضع سيء… ونموذج غزة

وتصف مصادر ديبلوماسية الوضع بالسيء جدا، لان كل النماذج المحيطة بلبنان تبدو محبطة، فعلى الرغم من وقف النار في غزة، فان المساعي الأميركيّة لإعادة ترسيم الحدود في القطاع، تشير الى ان الخطط الأميركيّة التي تتحدث عن «غزة جديدة»، تقوم على انشاء 6 تجمعات ووصاية تمتد 10 سنوات، والحديث عن اعادة الإعمار سيكون بكلفةٍ إنسانيّةٍ باهظةٍ. وما يُسوَّق كحلٍّ سريعٍ يبدأ من رفح، سيعني على «ارض الواقع» تهجير قرابة مليون فلسطيني، كمقدمة للتقسيم وإبقاء السيطرة الإسرائيليّة بكلّ ثقلها على ثلثي القطاع.

ووفق الخطة الاميركية ستقام «غزة الجديدة» إلى الجانب الشرقيّ من الخط الأصفر، ووفقًا لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، فإنّ الإدارة الأميركية أعدت خطةً لقطاع غزة ما بعد الحرب، تشتمل على تهجير «طوعي» للسكان، وتكرّس السيطرة الأميركية في القطاع. ويتم التعامل مع فلسطينيي غزة كحمولةٍ فائضة، ويطرح تهجير جزء منهم، ليس لمجرد بناء ما دُمّر وإعادتهم لاحقا، بل بتهجير طوعيّ دائم لخدمة رؤية استثماريّة اقتصاديّة وسياسيّة.

وهذا النموذج يذكر بما سبق وطرحه توم براك حول المنطقة الاقتصادية في قرى الحافة الامامية في الجنوب، ما يعني حكما تهجير السكان الى مناطق اخرى. فهل يمكن للبنان ان يقبل بمثل هذه الخطط؟

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى